إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
شرح أصول السنة لإمام أهل السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى 164-241 هـ
37287 مشاهدة
ترك المراء والجدال

4- وترك المراء والجدال والخصومات في الدين


هذه الثلاثة تدل على معنى واحد أو متقارب، فالمراء مشتق من المرية.
قال في لسان العرب مادة (مرا): والامتراء في الشيء الشك فيه، وكذلك التماري، والمراء المماراة والجدل، والمراء أيضًا من الامتراء والشك، وفي التنزيل العزيز: فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وأصله في اللغة الجدال، وأن يستخرج الرجل من مناظره كلامًا ومعاني الخصومة.. وقد مارَاه مماراة ومراء وامترى فيه وتمارى: شك. اهـ.
وفي حديث السائب بن عبد الله المخزومي عند أحمد في المسند أنه كان شريك النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل الإسلام، قال: فكان لا يُدَاري ولا يماري .
وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: المراء في القرآن كفر أي: المجادلة والنزاع فيه بما يوجب الشك، ويوقع في المرية.
ولكن المراء المذكور هنا يعم المراء في أمور الدين كلها كالجدال في القدر، وأفعال العباد، والمراء في أسماء الله وصفاته في معانيها وما تدل عليه، وكذا في الأمور الغيبية من عذاب القبر، وصفته وما بعده، وغير ذلك، فإن أهل السُّنّة يتوقفون عن ما لا يظهر لهم، ولا يجادلون أهل البدع، ولا يتنازعون في أمور الغيب التي ما أطلعهم الله عليها، وذلك من جملة عقيدتهم، حتى يجدوا دليلا يقولون به، والله أعلم.